نفحات وابتلاءات
لتنزلن أو لتكرهن
(نفحات وابتلاءات)
أَقسَمتُ يا نَفسُ لَتَنزِلِنَّه
طائِعَةً أَو لا لَتُكرَهِنَّه
إِن أَجلَبَ الناسُ وَشَدّوا الرَنَّة
ما لي أَراكِ تَكرَهينَ الجَنَّة
بقلم: يسري المصري
بهذه الأبيات الحماسية نطق لسان الصحابي الجليل "عبد الله بن رواحه"، والموقف معلوم للجميع وهو في غزوة موته، وكان هو القائد الثالث للمسلمين، ولما رآى ضراوة الروم وقتالهم وسخونة المعركة، فبدأ وكأنه تلكأ للحظات فاشعر بهذه الكلمات الثورية والتربوية في المقام الأول.
تذكرت هذا الموقف الروحاني والتربوي منذ أيام قليلة، وعزمت أن اكتب في هذا النطاق، لعله من دواعي الخير إن يكون في الأيام الأوائل من شهر ذي الحجة وأفضل أيام من الإعمال الصالحات، فاقسم الله بها لفضله فقال (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ( [سورة الفجر :2]، ولاشك أن قسمُ الله تعالى بها يُنبئُ عن شرفها وفضله.
كما بين النبي في حديثه" ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟!!، قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء"رواه البخاري.
وأيضا(عن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إن العشرَ عشرُ الأضحى، والوترُ يوم عرفة ، والشفع يوم النحر " رواه أحمد.
فالنفس في هذه الأيام الطيبة الطاهرة تنقسم إلى ثلاثة أصناف:
صنف أول، فرحاً مسروراً بها، فلكم اشتاق إليها قلبه وتمنت قدومها روحها، وحن إليها جسده، ورسم لها عقله برنامجا،ً فهو كمن لقي ضيفاً عزيزاً بعد غياب فأكرمه فسعد.
وصنف ثاني، عادت عليه الأيام وهو كماهو فى عبادته وطاعته لم يزد عليها ولم يتهيأ لها ولم يعد لها شي ـ ولكنه أيضاً أحبها لجوها الطيب وقربها من العيد فهو ماجور.
وصنف ثالث، هلت عليه الأيام فلم يعي منها شي وظل كماهو على حاله مقصرولم يغير من نفسه، أو ينتهز الفرصة لينجو، بل يزيد فى تيهه وجفاءه وطال خصامها مع أجواء الأيام وغيرها فهو تعيس، ويشعر بالضنك الحياتي.
هذه الأصناف الثلاثة هي نفسها النفوس الثلاثة بل والعقول بل والأرواح، كل صنف منها يحمل جسدا وبنيانا فكرياً يسر عليه فى حياته
فالأول يستند للنور المبين والفهم المستنير، وأقوال ورثة الأنبياء
والثاني له نصيب أيضاً من ما يستند به أول، لكنه، مكتفى بذلك ولا يجدد ولا يطور من نفسه واكتفى بما يصنع.
والثالث نحزن عليه مما يستند إليه، يستند إلى رغبات وشهوات وإغراءت لايسير إلا وفق متطلبات نفسه الأمارة بالسوء وما تطلبه وما يشعره بانتعاش ولذة وبوجوده
إننا نحتاج وبصدق أن نجعل انفسنا تسير في طريق الله بإخلاص وأن تكون تبعاً لما أمر به الله ورسوله، لأن النفوس تظهروا لمعادن تطفو على السطح في الأزمات والابتلاءات بل وفى النفحات (لنعلم من يتبع الرسول مما ينقلب على عقبيه).
نعم أن الشخص الملتزم المحب لله ورسوله يجب أن يعي انه مكلف بتكاليف عظيمة اقلها إصلاح نفسه إصلاحا شاملا على كافة الأصعدة والمستويات ابتداء من الإصلاح الروحي حتى الفكري والعقلي وأن يكون منبع كل هذا الإصلاح القرآن والسنة، وفهم سلف الأمة وأقوال علماؤها الثقات، فهذه الأيام هي تمحيص للنفوس وتعرية للعقول وما تحمل من نور أو سموم
وهى زاد للجميع وللدعاة إلى الله خصوصا فهي تقوى شوكتهم وتعزز من مكانتهم وتمحص الدخن وتطهر النفوس والجوارح وتجعل المرء يشعر بملائكية في روحه يسموبها وتسمو به.
فالهم ارزقنا في هذه الأيام من العمل والتقوى ما لايرضيك عنا
ونسألك القبول والإخلاص.